دار الفنون بتونس تحيي مئوية رائد التشكيل علي بلاّغة

تحت عنوان “علي بلاّغة.. تبر الزمان” ينظم المركز الوطني للفن الحي “دار الفنون بالبلفيدير” في العاصمة تونس بالاشتراك مع إدارة الفنون التشكيلية مئوية الفنان الكبير علي بلاّغة، وذلك من 13 يناير الجاري إلى 10 فبراير المقبل.
ويمكن لزائري هذا المعرض الاستيعادي التكريمي الاطلاع على حوالي 40 لوحة من الأعمال الفنية النادرة للفنان المحتفى به.
وسيتم بالمناسبة تنظيم مائدة مستديرة عن حياة علي بلاّغة والمدارس الفنية التي طغت على مسيرته، إلى جانب رصد أهم التنويعات التشكيلية التي استعملها الفنان الراحل.
وعلي بلاّغة الذي فقدته الساحة الثقافية والفنية سنة 2006، هو فنان تشكيلي ولد عام 1924 في المدينة العتيقة بتونس العاصمة وهو خريج مدرسة الفنون الجميلة بباريس سنة 1955، وقد أتيحت له آنذاك فرصة التردد على ورشة الأستاذ جودون لتعميق ثقافته في تقنيات فن الحفر الحديث، ومارس فن الخزف بورشة المعلم كانيفاي إلى جانب تلقيه دروسا في فن التزويق.
وتنوعت أعماله بين اللوحات المائية والزيتية والأخرى المنقوشة على الخشب فضلا عن إبداعاته المتنوعة وشغفه بالتراث الذي استحدثه وطوّعه لتقديم رؤية فنية مبتكرة.
ووفق ما جاء في تقديم دار الفنون بالبلفدير، لهذا الحدث الثقافي وللفنان، فقد استخدم علي بلاّغة العديد من التقنيات والخامات في أعماله، معتمدا على مراجع جمالية متباينة يندمج فيها التراث مع الفن المعاصر حيث نجد له لوحات محفورة على الخشب وأخرى عبارة عن مجسمات فنية مشكلة من مواد حديدية قديمة وعناصر نحتية وتكوينات قائمة على فن الغرافيك والخط الكوفي القيرواني.
ولم يقتصر الفنان على زيارة العواصم الفنية بكلّ من أوروبا والولايات المتحدة بل زار عدّة مدن شرقية ليطّلع على تراثها التشكيلي. وكانت زيارته إلى بعض مدن الصين والهند، ثمّ إلى فاس والجزائر والقاهرة وبغداد ودمشق وإسطنبول، عامل إغناء لثقافته الفنيّة.
شرع في عرض أعماله سنة 1950 بالصالون التونسي، وكان معرضه الفردي الأوّل سنة 1953 بمكتبة المعارف. ومنذ سنة 1960 بدأت معالم تجربته الفنية تتّضح من مشاركاته بتونس وخارجها.
تولّى سنة 1966 خطّة رئيس للصالون التونسي، ثمّ ترأّس سنة 1975 اتّحاد الفنّانين التشكيليين التونسيين بعد أن أسهم في تأسيسه. وكان عضوا نشيطا ضمن جماعة مدرسة تونس لفنّ الرسم. وكان يعرض باستمرار مع هذه الجماعة برواق القرجي في العاصمة حتى أخريات حياته.
تصفه الباحثة التونسية نوال بن ضياء بقولها “المتأمل في تشكيلات هذا الفنان يمكن أن تتراءى له خصوصية طابع علي بلاّغة المتفرد، والذي يعتمد على الاستفادة من المواضيع الخرافية والصور الأسطورية العجائبية من خلال المأثور الفني للرسم على الزجاج، لنجده يستحضر نماذج لحقيقة ذات عمق روحي وتاريخي في الفكر الشعبي عموما على غرار شخصية عنتر ابن شداد وعلي بن أبي طالب”.
وتضيف “نستحضر من أعماله الشهيرة ‘علي ورأس الغول’ و’البراق’، و’سفينة نوح’ و’عنتر’ و’الفروسية’، وهي أعمال فنية تتصل أساسا بالجانب العجائبي والخرافي بتقنياته وصبغته الحرفية، وهو ما نستشفه في قراءة لعمل ‘علي ورأس الغول’ الذي تطرق فيه إلى الجانب المضموني المتمثل في الدراما المشهدية، ونلمس من ضمنه الأبعاد الملحمية حيث يصور الفنان في هذه اللوحة مشهدا ملحميا يتضمن الفروسية والصراع والقتال، وهذا من خلال توظيف وتصور لكائنات ميتافيزيقية على عكس الشخصيات الملحمية الواقعية، والذي يتناول فيها الفنان شخصية علي بن أبي طالب”.
وتجهز عائلة علي بلاّغة الذي يعد أحد رواد التشكيل في تونس لافتتاح متحف بالمدينة العتيقة في العاصمة، يخلد ذكرى الراحل الذي أعطى الكثير للفن التشكيلي والرسم بصفة خاصة.
وكان كريم بلاغة، ابن شقيق الفنان الراحل، أشار في تصريحات له إلى أنّ عمّه –عندما كان على قيد الحياة- اقترح مرتين على وزارة الثقافة التونسية أن يهديهم بيته الواقع في نهج الباشا في المدينة القديمة بما فيه من أعمال فنية شريطة أن يجعلوا منه متحفا، غير أن الوزارة رفضت متعللة بشح الموارد المالية.